لا تكون صياغةُ إشكاليةِ بحثٍ بسيطةٍ وواضحةٍ وكاملةٍ مسألةً سهلةً بالنسبة للباحث المبتدئ في العلم الاجتماعي، بل حتى بالنسبة للباحثين المتمرسين. فغالبا ما تكون لديه فكرة عامة وغامضة عن الإشكالية التي يريد دراستها. وترتبط هذه الصعوبة بالطبيعة المعقدة للبحث العلمي نفسه. وقد يحصل للباحث أن يقضي شهوراً طويلة في استكشاف الأدبيات السابقة والتنقيب قبل أن يصيغ بوضوح ودقة الأسئلة التي يسعى إلى الإجابة عنها. والحال أن الصياغة الملائمة لإشكالية البحث تشكل واحداً من أهم مكونات البحث السوسيولوجي (والبحث العلمي عموماً).
 
 لكن الصعوبة التي يستشعرها الباحث في صياغة إشكاليته بشكل مُرضٍ في لحظة معينة يجب ألا توقعه في مشاعر الإحباط والتخلي عن القيام بالدراسة. كما يجب على الباحث أن لا يستعمل هذه الصعوبة كمبرر لتجنب طرح الإشكالية بما يكفي من الوضوح والدقة. ما هي الصياغة الأفضل لإشكالية البحث؟ على الرغم من أن الإشكاليات تتصف بتنوع كبير جداً، وعلى الرغم من غياب طريقة "صحيحة" واحدة لصياغة الإشكالية، يمكن لنا أن نأخذ في الاعتبار مجموعة من الخصائص التي توضح لنا كيف ينبغي صياغتها.
 
ولتسليط الضوء على هذه الخصائص، سنستعمل هنا الإشكالية التي درستها إليزابيث هارلوك والتي صاغتها على النحو التالي: ما هي تأثيرات الحوافز على الأداء المدرسي للتلميذ؟ لاحظ أن الباحثة صاغت الإشكالية في صيغة سؤال. يجب على الباحث أن يتذكر باستمرار أن أبسط طريقة هي أفضل الطرق. ولاحظ أيضاً أن السؤال يقيم علاقة بين مفهومين (متغيرتين) هما "الحوافز" و"الأداء المدرسي للتلميذ". إن إشكالية البحث إذن عبارة استفهامية تطرح سؤال "ما هي العلاقة القائمة بين مفهومين (أو متغيرتين) أو أكثر؟" والجواب على هذا السؤال هو ما ستسعى الدراسة إلى العثور عليه. يجب على صياغة إشكالية الدراسة عموماً أن تحترم ثلاثة شروط أساسية:
 
أولا، يجب على الإشكالية أن تعبر عن علاقة بين مفهومين أو أكثر. ويمكن صياغة هذا المعيار بطريقة صورية كما يلي: هل (س) لها علاقة بـ(ص)؟ كيف ترتبط (س) و(ص) بـ(ع)؟ كيف ترتبط (س) بـ (ص) تحت شروط (ع) و(ن)؟ إذا شئنا ترجمة هذه اللغة الصورية إلى لغة سوسيولوجية، وبالعودة إلى موضوع الانتحار كما عالجه إميل دوركايم، يمكن أن نطرح الإشكالية بصيغة تبسيطية كما يلي:
 
هل للتماسك الاجتماعي علاقة بالانتحار؟ أو: ما هي العلاقة القائمة بين التماسك الاجتماعي والانتحار؟
 
ثانياً، يجب صياغة الإشكالية في شكل سؤال واضح ودقيق. فبدلا من أن نقول: "إن الإشكالية هي..."، أو "إن هدف هذه الدراسة هو..."، ينبغي طرح سؤال نظراً لأن الأسئلة تساعدنا على وضع الإشكالية بطريقة مباشرة. لقد كانت هارلوك تسعى إلى تسليط الضوء على الحوافز المستعملة في المؤسسات المدرسية وتأثيرها على الأداء المدرسي للتلاميذ. وتجسدت إشكاليتها في سؤال يبحث عن العلاقة بين الحوافز والأداء المدرسي. وبما أن أبسط الطرق هي الأكثر نجاعة، اطرح سؤالا واضحاً وأحادي المعنى، بمعنى لا يحتمل أكثر من معنى واحد.
 
ثالثاً، يجب أن تكون الإشكالية قابلة للاختبار. إن الإشكالية التي لا يمكن التحقق من صدقها أو خطئها ليست إشكالية علمية. ليس المقصود بذلك فقط هو إقامة علاقة بين مفهومين، وإنما يجب أن يكون هذان المفهومان قابلين للقياس. إن هناك العديد من الأسئلة المهمة التي لا يمكن اعتبارها أسئلة علمية نظراً لأنها لا تقبل الاختبار التجريبي. يمكن لك مثلا أن تعتبر سؤال "كيف يمكن القضاء على العنف في العالم؟" سؤالا يحظى بأهمية بالغة بالنسبة لجميع سكان المعمور؛ لكنه في الواقع سؤال غير علمي نظراً لأنه يتجاوز إمكانيات التحقق التجريبي. والملاحظ أن أهم الصعوبات التي تعترض الدراسة العلمية لهذا النوع من الأسئلة تكمن في كونها لا تقيم علاقات بين المتغيرات، وحتى وإن وضعت مثل هذه العلاقات، فإنه يكون من الصعب أو من المستحيل قياس المفاهيم التي تكون تلك العلاقات.
 
يقلم: حسن احجيج
 
Toutes les réactions :
22